بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 25 فبراير 2010

المولد النبوي بين كفتي الخير و الشر

                                                                           سلبم الرفاعي




كلما لاحت مناسبة وعادة وسنة وعيد [1] 'المولد النبوي' من كل عام يشتد الجدال بين طائفتين من المسلمين حول مشروعيتها وجواز الإحتفال بها وهما 'طائفة السلفيين' الذين يشددون النكير عليها إلى درجة وصفها بالبدعة والضلالة المنكرة![2].. و'طائفة  الصوفيين' الذين يبالغون في الإحتفاء بها بل وربما أكثر من العيدين المشروعين في بعض الأحيان!.. وهذه جملة من الملاحظات والأسئلة التي خلصت إليها بعد إطلاعي على وجهات نظر كل فريق منهما أتقدم بها لأهل التخصص وأهل الفتوى لعلها تساهم في الوصول إلى التوصيف الشرعي الوافي والسليم  للإحتفال بهذه المناسبة وهذا 'العيد' المختلف في مشروعيته بين المسلمين وبالتالي الحكم عليه  بالحكم 'الشرعي' الصحيح وهل هو جائز ومباح أم لا؟.


الملاحظة الأولى : لا شك إن عيد المولد النبوي هو عيد مستحدث وطارئ على الأمه ويرجعه البعض إلى العهد الفاطمي أو القرن السابع للهجرة فهو بالتالي وبلا شك (عيدٌ ُمبتدع) وليس مما شرعه الله ورسوله بالنص الصريح  او بفعل الرسول - صلى الله عليه وسلم – كما هو الحال في العيدين (الفطر والأضحى) بل ومن الثابت أن لا الصحابة ولا التابعين - رضي الله عنهم –  قد إحتفلوا بهذه المناسبة وخصصوا لها يوما ً وجعلوه عيدا ً يحتفلون به كل عام كما فعل المسلمون الذين جاءوا من بعدهم بقرون!.. لهذا فلا شك أنه عيد مبتدع وسنة سنها بعض المسلمين وشاعت عبر الزمان والمكان في المجتمعات المسلمة منذ قرون وبالتالي فهو ليس من شعائر وشرائع الدين المشروعة والمطلوبة من الشارع والتي حددها وعينها الشارع بإسمها وصفاتها وواجباتها ورتب عليها الأجر لكل من عملها والوزر والملامة على من هجرها!.

الملاحظة الثانية : نعم ! .. إن هذا العيد ليس من (شعائر الإسلام) قطعا ً مثل العيدين المشروعيين - وبالتالي – لا يصح إعتباره من (العبادات الشرعيه الأصلية) المطلوبة شرعا ً ولا من شعائر وشرائع الدين كما هو حال العيدين .. فالعبادات كما هو معروف لا تكون إلا بالنص الصريح الذي نطق به الشرع والأصل فيها التوقف حتى يأتي طلب وإذن الشارع بعكس (العادات) التي يبتدعها – الإبداع بالمعني اللغوي – ويبتكرها المسلمون حسب أحوالهم ومتغيراتهم المكانيه والزمانيه والحضارية فالأصل فيها الإباحه - لا التوقف – وبالتالي إمرارها وإقرارها حتى يأتي الدليل المانع بشكل قاطع!
مجال مناقشة الإحتفال بذكرى ميلاد المصطفى : إن الإحتفال بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم هو – إذن - من قسم العادات - التي إبتدعها وسنها المسلمون المتأخرون – أي بعد عهد الصحابة والتابعين - وهو من العادات الإحتفالية الشعبية الإسلامية القائمه بالفعل في واقع المسلمين اليوم ولا يصح أبدا ً إقحامها في قسم العبادات أو تصويرها بأنها من مطالب الشارع التعبديه! .. العبادات التي لا إبتداع فيها ولا إختراع  بل لا تكون إلا بما نطق به الشرع .. ولا شرع في الدين إلا ماشرعه الله ورسوله كما هو معلوم من الدين بالضرورة .. وبالتالي أرى أنه يجب مناقشة هذه المسألة – أي مسألة الإحتفال بذكرى ميلاد النبي -  ودراستها من هذا المنظور المحدد .. أي من حيث كونها من (العادات الإجتماعية والسنن الإحتفالية الشعبيه الإسلامية) التي سنها المسلمون وإتخذوها عيدا ً سنويا ً يحتفلون به ويعبرون فيه عن حبهم لنبيهم..هذه العادات التي من سمتها أنها تتغير من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان بخلاف (العبادات الشرعية والسنن النبويه) التي من سمتها أنها ثابتة ومحددة في كل زمان ومكان إلى يوم القيامة لأنها تمت وإكتملت بوفاة النبي المأذون له من الله بالتشريع الديني[3]!.

 وبتحديد صفة هذا 'العيد الشعبي الإجتماعي' بأنه من قسم العادات ومن السنن الإجتماعية للمسلمين لا من قسم العبادات وشعائر وشرائع الدين .. وبالنظر إليه على هذا الأساس ... فهل يمكن إعتبار أن الأصل فيه – إذا إعتبرناه من قسم العادات لا من قسم العبادات - أنه من المسموح به شرعا ً لأن الأصل في العاديات الإباحة كما هو معلوم بخلاف العبادات التي الأصل فيها المنع حتى يأتي طلب وإذن الشارع .. تماما ً كما لو أننا نحن المسلمين قررنا وإتفقنا على الإحتفاء والإحتفال بذكرى معركة بدر أو فتح مكة أو إحياء ذكرى إستشهاد حمزة أو إستشهاد الحسين أو تحرير القدس أو إستشهاد عمر المختار أو الشيخ ياسين أو إحياء ذكرى علم  من أعلام المسلمين وذكرى وفاة أو ميلاد إمام من أئمتهم في كل عام  كإبن تيمية أو الشاطبي أو العز بن عبد السلام أو سيد قطب أو حسن البنا أو الألباني رحمهم الله جميعا ً فماهو المانع هنا!؟.. أم أن مثل هذه الإحتفالات السنوية لتذكر تلك الأمجاد وأولئك الأماجد وأفضالهم على الأمة بدعة تضر بالدين والدنيا؟ .... وتحت هذا الإطار تدخل كل الأعياد والإحتفالات والمهرجانات الوطنية والشعبية والعادات والتقاليد والسنن الإجتماعية التي يتخذها الناس عبر الأزمنة المتفرقة عيدا ً بمعنى أنهم يحتفلون بها بشكل دوري سنوى لتخليد ذكراها في العقول والقلوب وأخذ العبر منها وتنشيط الإيمان بها ولكن إذا سلمنا بصحة ومشروعية ذلك فإنه من اللازم الإلتزام بشرطين أساسيين إثنيين :
 الأول : هو عدم إعتبار هذه الأعياد القومية والإجتماعية الإحتفالية التي يتخذها المسلمون مناسبات إحتفالية دورية أو سنوية جزء ً من شعائر وشرائع الدين بل هي جزء من سنن وعادات المسلمين إذ أن الدين قد إكتمل فلا زيادة فيه ولا نقصان .
والثاني : أن لا تنتهك المحرمات في مثل هذه الإحتفاليات وأن لا يكون ضررها على الكليات الخمس للشريعة ومقاصدها أكبر من نفعها! .
وفي هذا الأمر تدخل كل الأعياد والسنن الإجتماعية والوطنية والقومية للمسلمين عبر مختلف الأزمنة والأمكنة كإحتفال الليبيين مثلا ً بعيدهم الوطني المتمثل بعيد الإستقلال في يوم 24 ديسمير من كل عام!؟.. فالأصل في مثل هذه المناسبات الإباحة وفق الشرطين السابق ذكرهما.. ولكن متى يجوز النكير على هكذا إحتفالات وأعياد وعادات إجتماعية وشعبية دورية؟ .. أحسب أنه لا يجوز النكير على هذه السنن والأعياد الإجتماعية والوطنية للمجتمعات المسلمة إلا إذا قيل لنا أن هذه الأعياد والمناسبات المبتدعة هي من صميم شعائر وشرائع الإسلام ومن السنن الدينية التي يترتب على فعلها أجر عظيم أو إذا لاحظنا عمليا ً أن ضررها على الكليات الخمسة للشريعة أكبر من نفعها.. فهنا يجوز النكير على من يدعي هكذا دعوى !! ..أي النكير على كل من يدعي أن هذا العيد أو ذاك الإحتفال الإجتماعي السنوي هو من صميم الشرع ومما طلبه الشارع منا عينا ً أو ضمنا ً! .. فهذا إدعاء باطل يجب رده .. فليس من عيد ٍ مشروع  لنا من الله تعالى او من قبل نبيه – صلى الله عليه وسلم - بعد العيدين المشروعيين المعروفيين لذا فهما من شعائر الإسلام  وشرائع الدين وأما كل مادونهما من عادات وأعياد وإحتفالات جدت فهي في حقيقتها ليست سوى 'أعياد مبتكرة' ومبتدعة – بالمعنى العام للبدعة -  سنها المسلمون لأنفسهم حسب ظروفهم الحضارية وبالتالي فهي  تدخل في باب 'السنن والعادات المرسلة' المشروعة في أصلها من حيث المبدأ إذا أدت إلى نفع للناس ولم تنتهك محرما ً ولا أضرت بالكليات والضروريات الخمس للشريعة أي المقاصد الأساسية التي جاءت الشريعة لحفظها وصيانتها (الدين والنفس والعقل والنسل والمال) [4] وتكون – أي هذه العادات والأعياد والمناسبات - ممنوعة إذا أدت إلى ضرر وإنتهكت المحرمات وكان ضررها أكبر من نفعها للمسلمين!.

إن  المنكرات التي تحدث في هذا اليوم – أي المولد النبي - وهذا العيد الشعبي الذي يحتفل به جمهور غفير من المسلمين والمخالفة لصريح العقل وصحيح النقل كما عاينت بنفسي في أكثر من بلد إسلامي مرفوضة ويجب تشديد النكران عليها ولكنها لا تعود في ذاتها بالبطلان على أصل هذه العادة والسنة الإجتماعية كما لا يعود تعاطي المنكرات في عيد الفطر بالبطلان على العيد نفسه من حيث أنه مشروع .. فبعض المسلمين للأسف الشديد يتناولون المحرمات في يوم العيد الشرعي بدعوى الإحتفال بيوم العيد! .. فيكون النقاش عندها في مسألة (ماهي الطريقة المثلى والفضلى التي نحتفل بها بذكرى ميلاد النبي؟) هل بالرقص والأكل وهز الرؤوس على صوت القرع الطبول وإطلاق الألعاب النارية أم بالإستماع إلى سيرة النبي وفضائله ومحاولة التخلق بأخلاقه الفاضلة والإقتراب قدر الإمكان من تمثل أحواله مع الله ومع الخلق والتركيز على سننه في التعامل الأخلاقية العملية أكثر من الوقوف على الهدي الظاهر والنواحي الشكلية التي يمكن أن يحسنها كل أحد ولا تحتاج لكثير عناء ولمجاهدة للنفس ومقاومة لمغريات وضغوطات الواقع؟.
سليم نصر الرقعي
---------------------
ملاحظة مهمة :
لا يجوز إعتبار  ماجاء في هذه المقالة من أراء وملاحظات حكما ً شرعيا ً أو فتوى شرعية إذ أن صاحب هذا الرأي ليس ممن ُيؤخذ منه الحكم الشرعي والفتوى الدينية فللحكم الشرعي أهله من أهل الإختصاص.. ولكن ما طرحته هنا مجرد خواطر وملاحظات وأسئلة وتأملات شخصية بعد الإطلاع على معطيات الجدل الواسع والمستعر والقديم المستمر بين السلفيين والصوفيين .. طرحتها هنا من باب الملاحظات والأسئلة العامة التي قد يستفيد منها من يدرسون العلوم الشرعية .
[1] لفظ 'سنه' إذا أطلق فإنه يراد به في العادة سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – ولكن وبمفهوم عام فإن السنة هي الطريقة التي يتخذها الناس في أداء وقضاء حوائجهم وشئونهم الدينية او الدنيوية بشكل دوري ثابت متعارف عليه .. وهو ما يدخل تحت الحديث النبوي : (من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ً .. ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا ً) – صحيح البخاري -
[2] لفظ 'البدعة' إذا أطلق عند المسلمين فإنهم يريدون به السنة السيئة المخالفة للشرع وبعضهم يقصد به كل ماهو جديد مستحدث من الشعائر والعبادات والطرائق والعادات التي لم تكن على عهد النبي أو عهد الصحابة والسلف الصالح فكل بدعة عند هؤلاء ضلالة إستنادا ً إلى حديث للنبي – صلى الله عليه وسلم - بهذا المعنى سواء أكانت هذه 'البدعة' إستحدثت في قسم العبادات أو في قسم العادات (!!!) بل وبعضهم يدخل حتى الأمور المستحدثة في شئون القضاء والإدارة والسياسة والإمارة في باب البدعة المخالفة للسنة والمخالفة لما كان عليه الأمر في عهد الخلفاء الراشدين والسلف الصالح !!!! .. وبعض الفقهاء يميز بين البدع المستحدثة في الدين أو الدنيا فمنها  ماهو من البدع الحسنة الجائزة ومنها ماهو من البدع السيئة المرفوضة إستنادا ً إلى  أثر لعمر بن خطاب – رضي الله عنه – يقول فيه ' نعمت البدعة هذه'! .. والأمر فيه خلاف مشهور بين الفقهاء وأهل العلم كما هو معلوم !.
[3] علينا التميز بين نوعين من التشريع إذ أن كلمة 'التشريع' كلمة حمالة أوجه ككلمة 'الحكم' لذلك خلقت إلتباسا ً في أذهان الكثير من المتدينيين والإسلاميين التقليديين فظنوا أن كل تشريع هو ديني بالضرورة فترتب عن هذا اللبس وهذا المفهوم القاصر ما ترتب عن تورط 'الخوارج' في الفهم المغلوط لمعنى عبارة 'الحكم' فظنوا أن كل حاكم غير الله طاغوت وكل من يحتكم لغير الله كافر!! .. والصحيح أنه يجب أن نميز بين ما هو ديني إيماني من التشريع وهو الجانب المتعلق بالحلال والحرام وإيجاب الواجبات الدينية (الفرائض) كتحريم الخمر وأكل لحم الخنزير وإيجاب الصلاة والزكاة .. وبين ماهو سياسي وقانوني وسلطاني من التشريع المتعلق بالمنع أو السماح الذي تمارسه السلطات التي تسن القوانين وتسن لوائح النظام العام وتوجب الواجبات الحكومية السلطانية كضرب الضرائب والرسوم وفرض تأشيرات الخروج والدخول للبلد وإيجاب الخدمة العسكرية ومنع الزواج بالأجانب أو منع بيع بعض أنواع السلع المستوردة داخل البلد ... إلخ ... فعلينا أن نفرق بين التشريع الديني الرباني والتشريع التقنيني السلطاني .. ولكن هل يجوز للمشرع السلطاني أن يحل حراما ً ويحرم حلالا ً!؟ وهل يجوز له أن يمنع حلالا ً ويسمح بحرام على أساس المصلحة العامة والإجتهاد السياسي!!؟؟ ..فهذا ما سنناقشه في مقالة خاصه إن شاء الله.
[4] هناك من يجعل الضروريات التي ما جاءت الشريعة إلا لحفظها وحمايتها أكثر من خمسة مقاصد فبعضهم أضاف 'العرض' للضرورات السابق ذكرها في المقاله وهناك من يتوسع في هذا المجال فيضع الأخلاق والعدالة وكرامة المسلمين وعزة الأمة من ضمن المقاصد العامة والضرورات أو الكليات التي تستهدف الشريعة حمايتها ورعايتها .. والموضوع إجتهادي وإستنباطي متشعب ومتطور وتتم معرفته من خلال إستقراء أحكام الشريعة وسيرة النبي والخلفاء الراشدين أي من خلال إعمال العقل في فهم مقاصد النقل وقواعده.. وفهم سيرة النبي وأصحابه وكيف فهموا الإسلام في زمانهم  وكيف طبقوه!؟.
                                                                                        بتاريخ  2010/2/24
                                                                               من المنارة     {سليم الرفاعي}

ليست هناك تعليقات: